رحلة تقصي عن..
ثروة (إخوان الرئيس)
(1)
صحيفة الراي العام
13 مارس 2011م
مظاهرات الوطن العربي التي ضربت أعتى الأنظمة السياسية في تونس
ومصر وليبيا، ضربت كل شئ تقريباً له علاقة بقادة تلك النظم السياسية
في المنطقة العربية.
الذين خرجوا على حسني مبارك وتململوا من طول بقائه في السلطة،
ثاروا أيضاً على نفوذ نجليه علاء وجمال وثروتهما المالية الطائلة،
والذين ضاقوا ذرعاً بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
لم يكونوا على إستعداد لقبول وضعية (ليلى الطرابلسي) وإستغلالها
لنفوذ زوجها ونهب ثروات تونس.
في السودان، فإنّ البشير لم تمسه بعد رياح المظاهرات المطالبة بالتغيير
و(إسقاط النظام)، ولكن رياح الحديث جاءت على ذكر إخوانه، وعن
ثروتهم، وعن استغلالهم لنفوذ أخيهم، وعن إمتلاكهم للدُور والقصور،
والعقارات والمنظمات.. بعض هذه الإتهامات كانت حبيسة منتديات
المعارضة في عقر دارها الحزبية، أو في مواقع الإنترنت، ثم أخذت
طريقها إلى بعض وسائل الإعلام الصادرة من الخرطوم.
الإتهامات ومثلها المرافعات التي تتعلّق بالذمة المالية والفساد والثراء
الحرام واستغلال النفوذ، ليست الصحافة ووسائل الإعلام هي - وحدها -
التي بإمكانها أن تفصل فيها، وتمنح - بناءً على ذلك - شهادة البراءة
أو حكم الإدانة.
ولكن الصحافة على كل حال لا يمكن أن تغمض عينيها، ولا أن تسد
أُذنيها، إذا كان الموضوع في سياق الشأن العام والمصلحة العامة..
ولأنّه من غير الإنصاف أن نردد الإتهامات دون أن نجلس إلى الطرف
الآخر.. فقد جلست (الرأي العام) إلى (إخوان الرئيس).
.....
من هم إخوان الرئيس..؟
رغم أنّ الحديث يتردد بمفردة (إخوان الرئيس)، بما يعني أن الدائرة
تنحصر فقط في إخوانه، إلاّ أنّ بعض المواقع توسعت في دائرة الحديث
لتضيف إليها إخواته، إما مباشرةً أو بالحديث عن أزواجهن.
أقل إخوة الرئيس حظاً من الشهرة وتسليط الضوء خلال حياته وبعد
مماته هو شقيقه عثمان الذي استشهد في الجنوب، وكان يعمل مصححاً
صحفياً - أخبرني محمد حسن أحمد البشير أن جميع إخوة الرئيس قاتلوا
في الجنوب إلاّ هو (بسبب وجوده في دولة الإمارات، وكان محمد يقوم
بعملية إسناد للأسرة ومساعدتها مادياً) -.. المهم أنّ عثمان قضى في
حرب الجنوب وترك ذرية تقيم الآن بمنزل الأسرة في كوبر، وما زال
أولاد عثمان في سنوات الدراسة.
أما بقية إخوان الرئيس فهم (د. عبد اللّه) وهو يحمل رتبة لواء في
الجيش ويعمل بالسلاح الطبي، والمهندس (علي) المتخصص في هندسة
البترول من الولايات المتحدة الأمريكية، الذي عمل على تأسيس عَدَدٍ من
المشروعات الحيوية مثل التصنيع الحربي وسوداتل وجياد وغيرها،
والدكتور (صديق) الذي يمارس مهنة الطب في بريطانيا منذ فترة ليست
بالقصيرة، ومحمد (خريج جامعة الخرطوم 1972م) ومدير مؤسسة
معارج الخيرية، ثم عباس الذي يمارس مهنة التجارة.
أما أخوات الرئيس فهن زينب تعمل مسؤولة في الإعلام والعلاقات العامة
بسوداتل (متزوجة من إبن عمها خالد صديق أحمد البشير، كان يعمل في
دولة الإمارات العربية المتحدة)، وأسماء (زوجها نور الدائم إبراهيم
محمد يعمل في مجال المقاولات وكان يتناوب مع عثمان في إمامة مسجد
كوبر الكبير)، وصفية (زوجها المهندس أحمد التوم الذي عمل
بالسعودية لفترة طويلة)، وآمنة (زوجها عطا المنان صالح، عمل
محافظاً في الحكومات المحلية قبل الإنقاذ).
إخوة التنظيم
في بداية الإنقاذ لم يعرف الناس شيئاً كثيراً عن إخوان الرئيس، فقد كان
السؤال عن إخوان الرئيس بصلة القرابة ليس مهماً في بداية الأمر، بقدر
ما كان المهم السؤال عن الإخوان بالمعنى التنظيمي.
وربما ذهب البعض إلى حد القول إنّ نجم (إخوان الرئيس) لم يظهر إلاّ
بعد الإنشقاق الذي حدث في المؤتمر الوطني، ويتفرع من هذا الإثارة
إتهامان: الأول ان الرئيس إعتمد بشكل كبير على قرابته وأسرته،
والثاني أن الإنشقاق أثّر على مبدأ المحاسبة والمناصحة، ويرد د. عبد
اللّه على هذا القول بأنه إتهام وتفسير لا يرقى إلى درجة الرد عليه،
ويشير إلى أن التنظيم كان ضعيفاً منذ أن تم حله، ويؤكد أخوه محمد
أن الرئيس لم يعتمد على أسرته إطلاقاً منذ قيام الحكومة وحتى الآن،
لا في إتخاذ المواقف أو إختيار الأشخاص.. ويضيف: لم نكن مراكز
قوى في أية مرحلة من المراحل حتى نساند الرئيس.. ويتابع: نحن لا
نؤثر على قرارات الرئيس لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ.
وساعد على عدم إهتمام الناس بالسؤال عن إخوة الرئيس ان بعضهم
كان خارج السودان، يمارس مهنته مثله مثل أي مواطن دفعت به
ظروف الأسرة والرغبة في تحسين الوضع المادي إلى الهجرة خارج
السودان، مثل د. عبد اللّه (كان يعمل في السعودية) ومحمد (كان
يعمل في الإمارات) وصديق (كان يتخصص في الطب ببريطانيا).
ويُذكر د. عبد اللّه أنه عندما قَرّرَ العودة الى السودان بصفة نهائية،
كان من رأي البشير أن يبقى حيث هو في الغربة وكان تعليل الرئيس
وقتها مقتضباً (عشان تساعد أهلك).
عاد د. عبد اللّه إلى السودان في العام 1991م وأنهى عشر سنوات
من العمل في الخارج، وكان تقديره الشخصي وأشواقه التنظيمية تقول
له إن العودة إلى السودان أصبحت ضرورة لتأمين الثورة الوليدة من
محاولات الإسقاط عبر قطاع الأطباء على الأقل، ثم إلتحق بعد حوالي
ست سنوات بالسلاح الطبي بناًء على توجيهات من (إخوانه في الحركة
الإسلامية) كما حكى د. عبد اللّه لـ (الرأي العام).. والذين لهم ذاكرة
فوتوغرافية يتذكّرون أن ضابطاً برتبة العميد كان يجلس على مسافة
ليست بالبعيدة من الرئيس البشير خلال النفرة الشهيرة للمؤتمر الوطني
في فترة الإنقسام العام 1999م ولم يكن ذلك الرجل سوى د. عبد اللّه.
العودة النهائية
المهم أنّ الرئيس البشير الذي أبدى رأيه في قرار أخيه د. عبد اللّه
بالعودة النهائية إلى السودان، لم يبد رأياً في قرار إلتحاقه بالقوات
المسلحة، فقد دَرجَ الرئيس - كما يقول د. عبد اللّه - ألاّ يتدخل بصورة
شخصية إذا كان الأمر متعلقاً بقرار التنظيم، خاصةً أن إستيعابه كان
بناءً على مؤهله الطبي الذي تحتاج إليه القوات المسلحة كما يروي.
عندما عاد د. عبد اللّه إلى السودان بصورة نهائية أوائل التسعينات
واستقر وأسرته الصغيرة مع أهل زوجته في حي المايقوما، وانتظر
عاماً ليكمل منزله في حي المعمورة، وبعدها إنتقل إلى منزل حكومي
في حي المطار، وأثار هذا الإنتقال كثيراً من علامات الإستفهام حول
د. عبد اللّه، وتحول الإستفهام إلى إتهام لدى البعض بأن (أخو)
الرئيس استغل نفوذ شقيقه للحصول على منزل حكومي في حي
المطار الراقي.. وكان هذا مصدر تساؤل: هل حصل كل ضباط الجيش
في رتبته على منزل في حي المطار؟.
هذه الأسئلة ذاتها طرحتها على د. عبد اللّه الذي أجابني: بيتي في
المعمورة كانت به مشكلة أساسية تتمثل في أنه يعاني من تسريب
المياه بصورة مزعجة، ولذلك تقدمت بطلب لإدارة القوات المسلحة
للحصول على منزل أسوةً بزملائي الآخرين، وقد كان أن منحوني
منزلاً في حي المطار العام 2003م، وكل زملائي الذين كانوا بحاجة
إلى السكن تم منحهم منزلاً، إلاّ أنّ بعضهم كان يُفضّل السكن بأم درمان
بحكم القرب من السلاح الطبي، لكني فضّلت السكن في حي المطار
بالقرب من الوالدة، وبعد فترة تركت المنزل المخصص لي في حي
المطار طواعيةً دون أن يطلب مني أحد ذلك، ولو سألتني عن السبب -
يقول د. عبد اللّه - فقد كان البيت تعبان جداً حتى أن المهندس الذي
جاء لصيانته قال لي ساخراً (ياخي البيت دا تعبان لدرجة إنو أنا لو
عاوز أدق مسمار بتطلع الطوبة من الجهة التانية)، السبب الآخر هو
أن منزل حي المطار لم يُعد مناسباً لأسرتي خاصةً بعد أن كبر الأولاد
والبنات.
حكاية كافوري
ترك د. عبد اللّه بيت حي المطار، ولكن الإتهامات لم تتركه، فقد انتقل
إلى مكان أرحب وأفخر في حي كافوري، الذي يبدو أن وقوع منازل
إخوان وأخوات الرئيس به كان سبباً رئيسياً في الإتهامات بالثراء
وامتلاك العقار.. ففي هذا الحي يوجد منزل الرئيس البشير شخصياً
(تحت التشييد)، ومنزل أخيه محمد (مربع تسعة) ومنزل أخته زينب،
ومنزل أخيه عباس (تحت التشييد)، وفيه مجمع النور الإسلامي (كان
من المفترض أن يسمى مجمع حسن أحمد البشير، ولكن الأسرة عدّلت
عن هذا الاسم)، وفي ذات الحي توجد مباني مدارس المواهب (التي
تم تصويرها في بعض مواقع النت على إعتبار أنها قصور تخص
الرئيس البشير).
المنزل الذي انتقل إليه د. عبد اللّه في كافوري كان مملوكاً لزوج أخته
أسماء (اسمه نور الدائم إبراهيم)، ويُحظى نور الدائم باحترام واسع
وسط أسرة الرئيس البشير، ويتحدث عنه د. عبد اللّه وأخوه محمد
بنبرة تقدير عميق، ويقول محمد حسن أحمد البشير إن نور الدائم
ترك أعماله الخاصة وذهب إلى الجنوب مقاتلاً ثلاث مرات، ولم يدخل
طوال سنوات الإنقاذ في أي عطاء لتشييد مبانٍ حكومية، وإنما اكتفى
بالعمل الحر وتوسع في ذلك بفضل اجتهاده ومساعدة إخوته بالخارج،
ويبدو أن نور الدائم لعب دوراً مهماً في امتلاك إخوة الرئيس لمنازل
في منطقة كافوري بحكم عمله في مجال المقاولات، ويقول محمد حسن
أحمد البشير، إنّ نور الدائم بنى كل المنازل الخاصة بهم بهامش ربح
يكاد يكون صفرياً، بالإضافة الى امامته أحياناً لصلاة الجمعة في مسجد
الشهيد عثمان حسن أحمد البشير بـ (مربع تسعة) في كافوري الذي
أسْهم في تشييده بالتعاون مع الرئيس وأشقائه.
(نواصل)