خيارات حلول مشكلة حلايب في الميزان
{1-2}
اللواء مهندس فني ركن (م)
د. عبد الرحمن أرباب مرسال صالح
الصحافة
04 يناير 2012م
مدخل :
* الاستعمار الأوروبي في أفريقيا تسبب في التخطيط السيئ للحدود ، ولم
يراع الاثنيات ولا اللغة ولا الدين ، وراعي فقط مصالحه، بجانب خلقه
لما يسمي بمشكلة تأسيس الأنظمة السياسية التي أفرزت عدة اشكاليات
أهمها اشكالية بناء الدولة القومية ، واشكالية التعددية السياسية
والثقافية ، بعد نيل القارة الأفريقية استقلالها .
ظهرت منازعات الحدود بينهم والنزاعات الداخلية والمطالبة بالانفصال ،
والحكم الذاتي ، والحكم الفدرالي .
* لم تتضح معالما لحدود في السودان ، الاّ أثناء الحكم التركي المصري
، ولم تحدد بخطوط واتفاقيات الا في فترة الحكم الثنائي ، عبر حوالي
31 اتفاقية ، بخلاف الوثائق ذات الصلة .
* الحدود بين السودان ومصر تحكمها اتفاقية يناير 1899م ومارس
1899م و4 نوفمبر 1902م و 1907م ، حيث بموجبه صارت
الحدود بين البلدين خط 22 درجة شمال ، وعُدلت لاضافة مثلث حلايب
للسودان ، ومثلث بعتزرجو لمصر ، واضافة 4094 فدانا وعشر قري
في منطقة حلفا للسودان .
* في عام 1958م ، حاولت مصر ضم مثلث حلايب ، وفشلت وسحبت
جيشها من المثلث ، وصعَّد السودان المشكلة لمجلس الأمن «أثناء ولاية
المستر داك همرشولد» في 20/2/1958م ، حيث طلب من المجلس
عقد جلسة عاجلة للموضوع ، لم تعقد حتي الآن رغم تجديد السودان
لتلك الشكوى سنوياً .
* بعدها وفي عام 1992م ، دخلت القوات المسلحة المصرية الغازية ،
حلايب وأحتلتها كاملة عدا مدينة حلايب عاصمة محلية حلايب ، في
مساحة تقدر بحوالي 4 كم مربع ، من أصل المساحة الكلية التي تقدر
بحوالي 20 ألف كم مربع . لم تراع مصر ، الجوار ، والعلاقات الأزلية ،
والتاريخ والجغرافيا ، والقوانين والأعراف الدولية ، وعملت بمنطق
القوة ، ووضع السودان أمام الأمر الواقع .
* طيلة الفترة من 1992م حتي الآن ، والتي تقترب من العشرين عاماً
فشل الحوار معها ، وتمصرت حلايب وسكانها ، وبنيتها التحتية ، ولم
تخرج من وجدان الشعب السوداني ، الذي يعرف أحقيته في حلايب .
سمعنا من وسائط الاعلام أن البلدين يتجهان لجعلها منطقة تكامل ،
وأخيراً رسخ في الاعلام أن السودان في اطارخياراته لحل مشكلة
حلايب اقترح 3 خيارات : -
- التكامل ، علي أن تعترف مصر بسودانية حلايب
- التحكيم الدولي
-تقرير المصير باجراء استفتاء بين السكان .
* لماذا حرصت مصر لاحتلال حلايب :
* قبل مناقشة الخيارات ، أري بالضرورة التعرض للأسباب الرئيسية
لرغبة مصر في احتلال حلايب عام 1958 ، 1992م ، وما بعدها .
قطعاً لا أقصد الأسباب التي نشرتها مصر وهي معروفة ، وسبق أن
فندناها ، وقلنا لو كانت مصر تري أن هذه الأسباب كافية لضم حلايب
لها لما استخدمت القوة مرتين ، ولكانت ستقبل بالحوار ، والحلول
السلمية والوساطة والوفاق والتحكيم .
* شعرت مصر منذ فترة طويلة ، أنها ستجابه مستقبلاً بانفجار سكاني ،
ولذا كما قال المرحوم محمد عثمان يس وكيل وزارةالخارجة الأسبق ،
« أن مصر تريد فتح الباب أمام هجرة المصريين للسودان » السوداني
3/5/2010م العدد 1619 ، في تعليقه علي دخول الجيش المصري
لحلايب 1958م .
كذلك تريد مصر الاستفادة من ميناء عيذاب الاسلامي التاريخي الذاخر
بالشُعب المرجانيه ، مع وجود حظيرة حيوان طبيعية بجبل علبه
«علبا» .
أيضاً وجود مرسي رئيسي وعدة مراسي في المنطقة .
أحد الأسباب الرئيسية ، فقد رشح للمصريين أن ميناء شنعاب
سيكون قاعدة أمريكية ! .
كذلك تعتبر مصر أن باحتلالها لحلايب ، سوف تكتسب حوالي 200 كم
تقريباً طول ساحل حلايب علي البحر الأحمر ، حيث يساوي خُمس
الساحل المصري وربع الساحل السوداني ، وذلك يقرب مصر للقرن
الأفريقي ، ويحقق زيادة في حقوق الصيد والملاحة ،وعمق استراتيجي
أمني لمصر ، مثل تأمين السد العالي « طلب السادات من نميري
السماح لمصر بانشاء 11 نقطة مراقبة بالنظر لتكون بمثابه انذار
مبكر لقوات الدفاع الجوي لصده جمات اسرائيل المتوقعة علي السد
العالي بعد حرب 1973م ، وفعلاً وافق السودان وأنشأت هذه النقاط ،
التي كانت بداية ونقط انطلاق تم الاستفادة منها في اكمال احتلال
حلايب عام 1992م» .
* أما في احتلال عام 1992م ، فكان السبب الرئيسي ،خروج
السودان من عباءة مصر وأمريكا ، وتبنيهم رأيا مخالفا بالنسبة
لحرب الخليج الأولي . وكان الاحتلال بمثابه ضغط علي السودان في
ظل ظروف مجابهته لحرب الجنوب ،المدعومة من أمريكا ودول
الجوار ، ومصر أحدهم حيث استضافت الحركة بمصر وزودتها
ببعض الاحتياجات العسكرية واللوجستية .
* كذلك فكرت مصر في التعامل النووى ، ولذا كانت حلايب البعيدة
عن مصر ، مكاناً مناسباً لانشاء مفاعل ذرى حيث اختير له مدينة
« ابورماد» المحتلة حيث تم تهجير 350 أسرة من أبي رماد
لداخل السودان .
خيارات الحلول المصرية :
* في 1958م ، محاولة احتلال حلايب بالقوة .
* في عام 1992م ، احتلال منطقة حلايب « عدا مدينة حلايب»
بالقوة العسكرية ، وضمها لمصر .
* القبول المشروط بالتكامل ، علي شرط اعتبار أن مصرية حلايب
خط أحمر «مصر لن تتخلي عن حلايب بحكم الدستور المصري» .
* «وأن تكون حلايب منطقة شراكة وليس تكامل لأن الشراكة
معناها الندية والمساواة والتوازن » د. هاني رسلان ، السوداني
العدد 4438 بتاريخ 28/10/2009م .
خيارات السودان :
* الخيار الأول ... وهوكان سابقاً ، لاتفاقية 1899م ، 1902و
1907م بسودانية حلايب ، ولكن تأكد أكثر ، منذعام 1902م تقريباً ،
ولا زال وسيظل باذن الله .
* الخيار الثاني ، ونتج عام 1958م ، أثر محاولة مصر لاحتلال حلايب
وبرز من خلال احتجاج السودان لدي الأمم المتحدة في 20/2/1958م
وكانت خياراته التي ضمنها الخطاب هي :
* الحرص علي السيادة السودانية علي أراضيه وضمنها حلايب .
* أبدى السودان استعداده للتمهل في حل المشكلة سلمياً
« ليس الاهمال» .
* اذا لم يتم الحل سلمياً فستطورالمشكلة الي مواجهة عسكرية
« هذا ما حدث ... وهو مواجهة عسكرية بدأتها مصر الي أن
وصلت لوجود القوتين العسكريتين في مجابهة بمثلث حلايب
المحتل » .
* الخيار الثالث : التكامل ، مع اعتراف مصر بسودانية حلايب .
* الخيار الرابع : وهو مارشح ونسب لنائب دائرة حلايب بالمجلس
الوطني أحمد عيسى عمران أن خيارات الحكومة تتمثل في ثلاثة
حلول :
- تكامل المثلث بين البلدين شريطة اعتراف المصريين بأنها أرض
سودانية تتم ادارتها بادارة سودانية مصرية مشتركة ويتم سحب
الجيشين السوداني والمصري منها وتحل محلها شرطة من البلدين .
- لجوء السودان نحو التحكيم الدولي في «لاهاي» وذلك باختيار
المسلك القانوني .
- اقامة استفتاء للشعب الموجود في مثلث حلايب ليختاروا الانضمام
للسودان أو مصر طوعاً .
ملحوظة :
الحكومة السودانية أجلت حسم الملف الي ما بعد الانتخابات المصرية
وتشكيل الحكومة الجديدة من خلال رؤية أطلعهم عليها وزير الخارجية
في المجلس الوطني .
مناقشة الخيارات :
- أولاً : يجب أن نلاحظ أن هذه الخيارات نبعت
من الحكومة السودانية وليس من مصر .
- ثانياً : أن هذه الخيارات ستناقش بعد تشكيل الحكومة المصرية
بعد الانتخابات، أي بعد حوالي سنتين تقريباً ، لأن الحكومة المصرية
لديها من المشاكل ما يشغلها عن نقاش مشكلة في نظرها محلولة
« بالاحتلال والتبعية الكاملة وأن الانتخابات الخاصة برئيس
الجمهورية والنواب قد تمت علي أساس مصرية حلايب » .
بالنسبة للتكامل : دعونا نتحدث عن مخرجات التكامل والاخاء السوداني
المصري السابق، فطيلة تلك الفترة وحتي الآن لم ينفذ علي أرض الواقع
الاّ من بعض التفاهمات والبروتكولات التجارية المحدودة ، الاّ اذا اعتبرنا
منحنا أراضي استثماريه لحزب الوفد والموافقه علي تهجيرالمصريين
في السودان - من طرف واحد هو التكامل في الوقت الذي تحتل فيه مصر
حلايب « أما الهدايا فانا ... أويدها ... من باب تهادوا تحابوا .. وهذا
كرم سوداني لا غبارعليه ، وليكن بدون منٍ أو أذي » .
كذلك واضح أن أهم ركائز هذا التعاون مفقودة وهي الأرض التي سيقام
عليها التكامل ، فالأرض لم تحسم تبعيتها ، وتبعية الأرض ستحدد أحقية
أحد الأطراف علي مواردها ... والموارد هي أيضاً هامة لتحديد شروط
ذلك التكامل ... علاوة علي ذلك لا توجد تجربة تكامل ، في العالم الثالث
أو العربي أو الأفريقي ،ناجحة ، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا
اجتماعياً ، ولا فنياً .
الآن تتم تجارة الحدود الجائرة بين مصر والسودان ، لأن السودان يلتزم
باستيراد ما اتفق عليه من مصر وهذا طبعاً لا يشمل السلع الرئيسية ،
ولكن مصر تفعل غير ذلك وتسمح بتهريب السلع الرئيسية المفترض
أن تكون عبر بروتكولات التجارة بين البلدين ، وبذلك تساهم في تدمير
الاقتصاد السوداني .
اذن هذا الخيار ، الذي تم الترويج له من قبل كثير من المثقفين
السودانيين والمصريين، دون أن يُخضع للدراسة ، فانه خياربعيد
المنال في ظل تمسك كل طرف في أحقيته في ملكية الأرض .
التكامل يحتاج للندية ، والشفافية ، وتحديد الغايات والأهداف
المرجوة في كل مجال مع وجود مؤشرات واضحة للنجاح والاّ
فالفشل هو النتيجة المتوقعة .
ملحوظة :
لا زالت الحريات الأربع تنفذ بواسطة
السودان وتتماطل مصر في تنفيذها .
بالنسبة للتحكيم الدولي :
- تعتبر النزاعات بين الدول نتاجا لتضارب القوى المختلفة علي المصالح
لأن الأفراد والجماعات تتبني أهدافاً ومصالح غير منسجمة مع بعضها
البعض .
يبدأ النزاع عادة بالتشكيل ثم التصعيد فالتحسن وأخيراً التحول ،
أسبابه داخلية وخارجية ، ولكن السبب الجدير بالذكر دائماً هو
الأهداف الخفية التي يخفيها الطرف أو الطرفين ، ودائماً ما تكون
هي التي تُصعب من امكانية حل النزاع .
يكون النزاع دون عنف ، أوبعنف « حالة حلايب» وله دلالات
اجتماعية وسياسية واقتصادية .
أما طرق فض النزاعات فأهمها طريقة :
الخطوة خطوة ،
والعمل الاجرائي ،
الصورة النهائية .
يتبع....